اهم الاخبار
الجمعة 22 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

تحقيقات وحوارات

هل تؤثر علاقات إيران في عهد رئيسي مع روسيا والصين على القضايا العربية؟..تحليل استراتيجي

إعـادة صياغـة الترتيبـات السياسـية والأمنيـة للملفــات الإقليميــة..وانعدام الثقة بين طهران والغرب عنوان المرحلة القادمة

الوكالة نيوز

يبــدو أن الرئيس الإيراني الجديد إبراهيــم رئيســي يتجــه نحـو منـح الأولويـة فـي السياسـة الخارجيـة الإيرانيـة لتطويـر العلاقـات مـع كل من روسـيا والصيـن، وذلك لاعتبـارات عديدة، ترتبـط برؤيـة القيـادة العليـا فـي النظـام الإيرانـي- ممثلـة فـي المرشـد الأعلـى للجمهوريـة علـي خامنئـي- لتأثيـر ذلـك علـى القضايـا الخلافيـة مـع الـدول الغربيـة، لاسـيما الـدور الإقليمـي والبرنامـج النـووي ، جاء ذلك في تحليل استراتيجي لمركز العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة.

وأردف التحليل الاستراتيجي انه رغم أنـه يبـدو للوهلـة الأولـى أن تلـك العلاقـات سـوف تركـز علـى الجانبيـن الاقتصـادي والعسـكري، فـإن ذلـك لا ينفـي فـي الوقـت ذاتـه أنـه سـوف يكـون لهـا دور فـي إعـادة صياغـة الترتيبـات السياسـية والأمنيـة فـي بعـض الملفــات الإقليميــة التــي تحظــى باهتمــام خــاص مــن جانــب الـدول العربيـة، لاسـيما الملفيـن السـوري والعراقـي، إلى جانب البرنامـج النـووي، والـدور الإقليمـي .

التوجه شرقاً

ربمـا يكـون رفـع مسـتوى العلاقـات مـع كل من روسـيا والصين هــو الخطــوة الأولــى التــي ســوف يتخذهــا الرئيــس الإيرانــي الجديـد إبراهيـم رئيسـي، حتـى قبـل انعقـاد الجولـة السـابقة مـن المفاوضات التـي تجري فـي فيينا حولالاتفـاق النـووي ، إذ سـتوقع إيـران وروسـيا علـى تجديـد اتفاقيـة التعـاون الشـامل بيـن الطرفيـن للمـرة  الرابعـة، بعـد أن أبرمـت فـي 12 مـارس 2001 وتـم تجديدهـا ثـلاث مـرات كل خمسـة أعـوام .

كمـا سـيلتقي الرئيـس الإيرانـي الجديـد بنظيـره الروسـي فيلاديميـر بوتيـن على هامـش قمة تعاون شـنغهاى التـي سـوف تعقـد فـي طاجيكسـتان يومـى 16 و17 سـبتمبر القـادم ، ويتوقـع أن تتخـذ الحكومـة الجديدة خطـوات تنفيذيـة لتفعيـل اتفاقيـة التعـاون الاسـتراتيجي التـي تـم إبرامهـا مـع الصيـن لمـدة 25 عامـاً فـي 27 مـارس الماضـي، والتـي تصـل بمقتضاهـا قيمـة الاسـتثمارات الصينيـة فـي مشـروعات البنية التحتيـة والطاقـة الإيرانيـة إلـى نحـو 400 مليـار دولار.

ولعل تأثير علاقات ايران مع روسيا والصين علي القضايا العربية يدور حول " تعزيز الموقع السياسي للنظام السوري ، دعم التعاون الصيني الايراني في العراق ، التوافق تجاه الانسحاب الامريكي من افغانستان ، تحييد الدور الاقليمي في مفاوضات فيينا ، ومواصلة تطوير القدرات العسكرية الايرانية " ، وفي الواقـع، يمكـن القـول إن هـذه المقاربـة الإيرانيـة التـي تقـوم علـى توسـيع نطـاق التعـاون مـع كل من الصيـن وروسـيا يمكـن أن تؤثـر علـى بعـض القضايـا العربيـة أو الملفـات التـي تحظـى باهتمـام خـاص مـن جانـب الـدول العربيـة، وذلـك علـى النحـو التالـي :

- 1- تعزيـز الموقـع السياسـي للنظـام السـوري :

فبعـد تغيـر توازنـات القـوى لصالـح النظـام السـوري، علـى ضـوء الدعـم الـذي قدمتـه روسـيا وإيـران والميليشـيات الموالية لها، بـات تعزيز الموقع السياسـي للنظـام، علـى المسـتويين الإقليمـي والدولـي، يحظـى باهتمـام خـاص مـن جانـب إيـران، حيث تـرى أن سـوريا بـدأت مرحلـة جديـدة تفـرض ضـرورة إعـادة “تعويـم” النظـام السـوري ودعـم فـرص الانفتـاح الإقليمـي والدولـي عليـه مـن جديـد، لاسـيما بعـد إجـراء الانتخابـات الرئاسـية فـي 26 مايـو الماضـي،
والتـي أسـفرت عـن فـوز الرئيـس بشـار الأسـد بنسـبة 95.1%.

ومـن هنـا، كان لافتـاً أن إيـران أبـدت اهتمامـاً خاصـاً بالزيـارة التـي قـام بهـا وزيـر الخارجيـة الصينـي وانـغ يـي، وهـى الأولـى منـذ نحـو عقـد، فـي 17 يوليـو الفائـت، حيـث طـرح مبـادرة تتضمـن أربعـة نقـاط رئيسـية لحـل الأزمـة السـورية، تتوافـق فـي مجملهـا مـع حسـابات ومصالـح إيـران، وتتمثـل فـي احتـرام سـيادة سـوريا الوطنيـة وسـلامتها الإقليميـة واحتـرام الخيـار الـذي ارتضـاه الشـعب السـوري والتخلـي عـن وهـم تغييـر النظـام، وتسـريع عمليـة إعـادة الإعمـار والرفـع الفـوري لـكل العقوبـات أحاديـة الجانـب ووقـف الحصـار الاقتصـادي المفـروض علـى سـوريا، والتمسـك بموقـف ثابـت حـول مكافحـة الإرهـاب بشـكل فعـال، وتشـجيع التوصل إلى حل سياسـي شـامل ومصالحة للقضية السـورية ، عبـر تسـوية بقيـادة سـورية وجبـر الخلافـات بيـن جميـع الفصائـل .

هـذه المبـادرة تحديـداً تشـير إلـى تغيـر بـارز فـي السياسـة الصينيـة ، فرغـم أن الصيـن كانـت إحـدى القـوى الدوليـة التـي دعمـت النظـام السـوري واسـتخدمت حـق الفيتـو فـي مجلـس الأمـن مـرات عديـدة لمنـع اسـتصدار قـرارات إدانـة ضـده، فإنهـا كانـت تركـز فـي بدايـة الأزمـة، ضمـن محـددات عديـدة، علـى أهميـة تشـكيل هيئـة حكـم انتقاليـة، وهـو مـا يبـدو أن المبـادرة الجديـدة تجاوزتـه، لاسـيما أنهـا تتحـدث عـن “التخلـي عـن وهـم تغيير النظـام”، ويمثـل ذلك بـدوره أبرز أبعـاد الموقف الإيرانـي الثابت مـن دعـم النظـام السـوري منـذ بدايـة الأزمـة فـي مـارس 2011 .

- 2- تحييـد الـدور الإقليمـي فـي مفاوضـات فيينـا :

ربما تسـعى حكومة رئيسـي، في حالـة موافقتها على اسـتئناف مفاوضـات فيينـا التـي توقفـت عـن جولتهـا السادسـة فـي 20 يونيـو الماضـي، إلى اسـتقطاب مزيـد مـن الدعـم الروسـي والصينـي لمقاربتهـا الخاصـة فـي المفاوضـات، والتـي تقـوم علـى حصرها فـي الاتفـاق النـووي، وعـدم توسـيع نطاقهـا ليشـمل التدخـلات الإيرانيـة فـي المنطقـة العربيـة، لاسـيما
فـي العـراق ولبنـان وسـوريا واليمن .

وفـي هـذا السـياق، أكـدت موسـكو رفضهـا للدعـوات التـي أطلقتهـا بعض الـدول الغربية لتوسـيع نطاق التفـاوض ليشـمل تلـك الملفـات، حيث قال المندوب الروسـي فـي المنظمات الدولية ميخائيـل أوليانوف، فـي 5 يوليـو الفائـت، أن “محاولـة توسـيع مفاوضـات فيينـا الهادفـة إلـى إحيـاء الاتفـاق النـووي لتشـمل مواضيـع أخـرى، لـن تجـدي نفعـاً”، مشـيراً إلـى أن “بعـض المحلليـن والمسـئولين يسـعون إلـى ضـم قضايـا أخـرى مثـل الأمـن الإقليمـي والصواريـخ للمفاوضـات، وهـى محاولـة لضـرب ثلاثـة طيـور بحجـر واحـد، لكنهـا غيـر واقعية”.

وهنـا، يمكـن القـول إن أى صفقـة قـد تنتهـي إليهـا مفاوضـات فيينا لن تتضمـن- على الأرجـح- توافقات حـول تلـك الملفـات الشـائكة، علـى نحـو يوحـي بـأن إيـران، فـي هـذه الحالـة، سـوف تمـارس دورهـا  الحالـي، حيـث سـتواصل الانخـراط فـي الأزمـات الداخليـة فـي العديـد مـن الـدول العربيـة علـى غـرار
مـا يحـدث حاليـاً فـي لبنـان والعـراق وسـوريا واليمن .

- 3- دعـم التعـاون الصينـي- الإيرانـي فـي العـراق :  

كان لافتـاً أن الصيـن سـعت بدورهـا إلـى توسـيع نطـاق الـدور الـذي يمكـن أن تقـوم بـه فـي عمليـات إعـادة إعمـار المناطـق المحـررة من سـيطرة تنظيم “داعـش” فـي العـراق، فـي إطـار توافـق أكبر يتضمـن توقيع صفقـات خاصة باسـتيراد النفـط العراقي ، وكانـت الصيـن قـد وقعـت، فـي 23 سـبتمبر 2019، ثمانـي اتفاقيـات ومذكـرات تفاهـم خـلال زيـارة رئيـس الـوزراء الأسـبق عـادل عبـد المهـدي إلـى بكيـن ، وتتصمـن المذكـرات اتفاقـاً إطاريـاً للإنفـاق الائتمانـي المالـي ومذكـرة تفاهـم لإعـادة الإعمـار الاقتصـادي، واتفاقـاً للتعـاون الاقتصـادي والثقافـي والفنـي وتطويـر البنـى للمواصـلات والاتصـالات والسـكن والطاقـة وهنـا، فـإن ذلـك لا يمكـن فصلـه عـن حـرص الصيـن وإيـران علـى توقيع اتفاقيـة التعاون الاسـتراتيجي فـي 27 مـارس الماضي، حيث تسـعى الصيـن عبـر توسـيع نطـاق تعاونهـا مـع كل مـن إيـران والعـراق إلـى دعـم مبـادرة “الحـزام والطريـق” وتوسـيع هامـش الخيـارات المتاحـة أمامهـا فيمـا يتعلـق بالحصـول علـى النفـط .

- 4- مواصلـة تطويـر القـدرات العسـكرية الإيرانيـة:

وهـو احتمـال يمكـن أن تتزايـد فـرص تحققـه فـي حالـة الوصـول إلـى صفقـة مـع القـوى الدوليـة فـي فيينـا، بمسـاعدة روسـيا والصيـن، خاصـة أن إيران تسـعى فـي المفاوضـات إلـى انتـزاع موافقـة مـن إدارة الرئيـس الأمريكـي جـو بايـدن على رفـع الحظر المفـروض علـى بيـع وشـراء الأسـلحة ، وهنـا، فإن روسـيا والصين سـوف تكونـا الدولتين المرشـحتين لإبـرام صفقـات أسـلحة مـع إيـران لتطويـر بعـض قطاعاتهـا العسـكرية، لاسـيما القطاعيـن الجـوي والبـري ، وهنـا، فـإن ذلـك قـد تكـون لـه تداعيـات علـى الأزمـات التـي تتصاعـد حدتهـا فـي بعـض الـدول العربيـة، خاصـة فـي ظـل اسـتمرار دعـم إيـران للميليشـيات الحليفـة لهـا فـي تلـك الـدول، علـى المسـتوى العسـكري، وهـو مـا يمثـل إحـدى العقبـات التـي تحـول دون التوصـل إلـى تسـويات سياسـية لتلـك الأزمـات حتـى الآن .

- 5- التوافـق تجـاه الانسـحاب الأمريكـي مـن أفغانسـتان :

ربمـا تتجـه الـدول الثـلاث إلـى توسـيع نطـاق التنسـيق فيمـا بينهـا للتعامـل مـع المعطيـات الجديـدة التـي فرضهـا الانسـحاب العسـكري الأمريكـي مـن أفغانسـتان ، واللافـت فـي هـذا السـياق، هـو أن هنـاك اتجاهـاً ملحوظـاً مـن جانـب طهـران وبكيـن وموسـكو للحفـاظ علـى قنـوات التواصـل التـي تـم تأسيسـها مـع حركـة “طالبـان” فـي الفتـرة الماضية، أولاً لتقليـص احتمـالات إقـدام الأخيـرة علـى اسـتهداف مصالحها، وثانيـاً لتعزيز دورهمـا في الترتيبات السياسـية والأمنيـة التـي يجـري العمـل علـى إعادة صياغتها في أفغانسـتان ، وهنـا، فإن أحـد الارتدادات المحتملـة لهـذا التنسـيق يتمثـل فـي إضعـاف نفوذ التنظيمـات الإرهابية، لاسـيما تنظيـم “القاعـدة”، على نحـو قـد يدفـع قادتـه وكـوادره إلـى الانتقـال مـن أفغانسـتان إلـى بعـض الـدول الأخـرى، التـي تتواجـد بهـا أفـرع نشـطة للتنظيـم، علـى غـرار بعـض دول شـمال أفريقيـا ومنطقـة السـاحل والصحـراء، إلـى جانـب الصومـال، حيـث تتواجـد تنظيمـات مثـل تنظيـم “القاعدة فـي بلاد المغـرب الإسـلامي” و”حركة شـباب المجاهدين”.

فجوة الثقة

علـى ضـوء ذلـك، ربمـا يمكـن القـول إن غيـاب الثقـة بيـن إيـران والـدول الغربيـة، لاسـيما الولايـات المتحـدة الأمريكيـة، سـوف يمثـل العنـوان الرئيسـي للعلاقـات بيـن الطرفيـن خـلال المرحلـة القادمـة، حتـى لـو تـم التوصـل إلـى صفقـة فـي فيينـا، علـى نحـو سـوف يدفـع إيـران، فـي الغالـب، إلـى اتخـاذ مزيـد مـن الإجـراءات التـي تكفـل تطويـر العلاقـات مـع الصيـن وروسـيا، بـكل مـا سـوف ينتجـه ذلـك مـن تداعيـات علـى الأزمـات التـي تمثـل فيهـا إيـران طرفـاً رئيسـياً، خاصـة الأزمـات التـي تشـهدها العديـد مـن الـدول العربيـة.

ﺗﻔﻀﻴﻼﺕ اﻟﻘﺮاء