اهم الاخبار
السبت 02 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

تحقيقات وحوارات

الانتخابات.. هل تنزع فتيل الصراع في دول النزاع بالمنطقة.. أم تدفع لمزيد من الاقتتال؟

حسابات سياسية معقدة.. خلافات داخلية تتصاعد.. تحالفات وأنظمة تبحث عن شرعية دولية.. ومخاوف من فقدان النفوذ

الوكالة نيوز

مثلت قضية الانتخابات في بعض الدول العربية مدخلاً رئيسياً لتصاعد حدة الخلافات الداخليـة بيـن القوى السياسـية، وهـي الخلافات التي ارتبطت بسـياقات الصراعـات التـي تشـهدها هـذه الدول، مثل سـوريا وليبيا ، إذ جعلت هذه السـياقات من الانتخابات أداة لتحديد مسـتقبل الدولة، وإضفاء الشـرعية علـى بعـض القـوى دون الأخرى علاوة علـى ذلـك، فقـد استصحبت قضية الانتخابات جدلا حول القوانين المنظمة للعملية الانتخابيـة برمتها، حتـى أن بعـض الاحتجاجـات التي اندلعت في بعض دول المنطقـة فـي السنوات الأخيرة، علـى غـرار العـراق، كانـت ترفـع مطالب تغييـر قانون الانتخابات كواحد من مطالبها الرئيسية، وتتعاطى معه كشـرط ضـروري للإصلاح السياسي ، وهناك ملفان مأزومان حيث ارتبطت الخلافات حول عملية الانتخابات في الدول العربية بملفين رئيسيين هما :

 

الأول نزاهة الانتخابات

وهـو الجـدل الـذي ظهـر فـي بعـض الدول مثل سـوريا والصومال ، ففـي 26 مايـو الماضـي، جـرت فـي سوريا انتخابـات رئاسـية انتهـت بفوز بشـار الأسـد بحوالـي 95,5% مـن الأصوات ، وقوبلـت الانتخابات بانتقـادات مـن قبل العديد مـن الأطـراف، حيـث وصفتهـا المعارضة السورية بـ " الهزلية "، وشـهدت المناطق خـارج سيطرة النظـام عـدداً مـن المظاهرات، علــى غــرار محافظــة درعا، الرافضة للانتخابات، وأصدرت اللجان المركزيـة والفعاليـات الثوريـة والعشائرية فـي درعـا، فـي 23 مايـو الماضي، بيانـاً يدعـو إلـى مقاطعتها .

وتكـررت هـذه الإشـكالية فـي الحالـة الصوماليـة، حيـث اثارت محاولات الرئيس محمد عبدالله (فرماجو) التمديد لسلطته لمـدة عاميـن، بعـد انتهـاء ولايتـه الرئاسـية فـي فبرايـر الماضـي، أزمـة داخليـة كبيـرة كادت أن تعصـف بالأوضـاع داخـل الصومـال حتـى تراجـع عـن محاولاتـه فـي ظـل الضغـوط الداخليـة والخارجيـة التـي تعـرض لهـا. وبالرغـم مـن ذلـك، فقـد ظلـت هنـاك شـكوك حـول مـدى نزاهـة إجـراء الانتخابـات فـي الصومـال، ولعـل هـذا مـا كشـفت عنـه انتخابـات مجلـس الشـيوخ الأخيـرة، التـي جرت فـي أغسـطس الفائـت، إذ كشـفت بعـض التقاريـر عـن حـدوث خروقـات وفساد في العملية الانتخابيـة، حتـى أن رئيـس اللجنـة الوطنيـة للانتخابـات المسـتقلة محمـد حسـن عـرو، ذكـر فـي 16 أغسـطس الفائـت، إنـه "مـن غيـر المقبول أن يصبح أعضاء اللجنة المنظمـة للانتخابـات النيابيـة (مقاعـد مجلـس الشـيوخ والشعب) مجرد حكام يصفقون لفساد رؤسـاء الولايـات الفيدرالية، خصوصا في عملية تعييـن الناخبين واجراء انتخابات اعضاء البرلمان بغرفتيه ".

والثاني القوانين المنظمة

تعــّرض قانــون انتخــاب رئيــس الدولــة فــي ليبيــا، والــذي أقر مجلس النواب صيغة توافقية بشأنه في 17 أغسطس الفائت، ليكون بالاقتـراع المباشــر مــن قبــل المواطنيــن، لخلافـات سياسـية حـادة بيـن عديـد مــن الأطراف ، وبحسب بعض التقاريـر، فقـد أبـدت بعـض القـوى السياسية اعتراضات عديدة على القانون، خاصة في غرب ليبيا، لاسيما أنه يسمح لشخصيات ذات صفة ً عسكرية بالترشـح للرئاسة ، فضلًا على ذلك، فان بعض القوى السياسية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، طرحت مقترحات حول إمكانيـة انتخاب الرئيس بشكل غير مباشـر مـن قبـل أعضـاء البرلمـان الجديد .

كمـا تظهـر مثـل هـذه الخلافـات فـي الحالـة اللبنانيـة، وخاصة مع الجدل المثار حول المقترح الذي قدمته كتلة " التنمية والتحرير " التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وينص على اعتماد النظام النسبي خارج القيد الطائفي لانتخـاب أعضـاء مجلـس النواب بالتوازي مع انشاء مجلس للشيوخ مـن 46 عضواً ينتخبون وفقاً للنظام النسبي لولاية مدتها 6 سـنوات، على اساس طائفي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

 

محفزات رئيسية

تتداخل في مشهد الانتخابات في بعض دول المنطقة طبيعـة الأزمـات وديناميـات الصراعـات الداخليـة التـي تشـهدها هذه الـدول، وخاصـة أن بعضهـا لا يـزال فـي مرحلة إعادة بناء الدولة بعد سنوات طويلة من الاقتتال الداخلي، ومن ثم، تستحضر قضية الانتخابات حسابات سياسـية معقـدة مـن قبـل القـوى السياسـية المختلفـة، لأنهـا تنظـر للانتخابـات كأداة لصياغـة شـكل الدولـة ومؤسساتها وتوازنات القوة والنفوذ وفي هذا السياق، فإن الخلافات المتصاعـدة حـول الانتخابات ترتهن بعدد من المحفزات الرئيسية المتمثلة فيما يلي :

الضغط على السلطة الحاكمة

لجأت بعـض القـوى السياسـية إلـى اسـتخدام قضيـة الانتخابـات كورقـة للضغـط علـى السـلطة الحاكمـة، وربمـا كان النمـوذج الأهـم علـى ذلـك رجـل الديـن الشـيعي زعيـم التيـار الصـدري مقتدى الصـدر. فحينما أعلـن الصـدر، فـي 15 يوليـو الماضـي، عـدم المشـاركة فـي الانتخابـات التشـريعية العراقيـة المقـرر إجراؤهـا فـي أكتوبـر القـادم، بـرر ذلـك القـرار بالمشـكلات التـي تواجـه إدارة الدولـة مـن قبـل السـلطة، وخاصـة أن الإعـلان جـاء بالتزامـن مـع كارثـة حريـق مستشـفى الحسـين الخـاص بمرضـى فيـروس "كورونـا" المسـتجد فـي مدينـة الناصريـة. وأشـار الصـدر فـي الهذال الي انه برئ ممن يدعون الانتماء الي تياره في الحكومتين الحالية والمقبلة وطالب بخضوع الجميع المحاسبة .

صحيـح أن الصـدر تراجـع عـن هـذا القـرار، فـي 27 أغسـطس الفائـت، إلا أنـه مـازال حريصـاً علـى اسـتخدام الانتخابـات كورقـة للضغـط علـى السـلطة، ولتعزيـز حضـوره فـي المشـهد السياسـي، وقـد دلـل ذلـك مـا جـاء فـي خطابـه حـول التراجع عـن قـراره بمقاطعـة الانتخابـات، إذ أكـد أنـه "سيشـارك فـي الانتخابـات مـن أجـل إنقـاذ العـراق مـن الفسـاد"، وأضـاف أنـه "تسـلم ورقـة إصـلاح موقعـة مـن عـدد مـن الزعمـاء السياسـيين"، وأن الورقـة "جـاًءت وفـًق تطلعاتنـا وتطلعـات الشـعب الإصلاحيـة، لذلـك فـإن العـودة للمشـروع الانتخابـي المليونـي الإصلاحـي باتـت أمـرا مقبـولا... وأن الورقـة الإصلاحية تلك يجـب أن تكـون ميثاقـاً وعقـداً معهـوداً بيـن الكتـل والشـعب بسـقف زمنـي معيـن بـدون مشـاركة الفاسـدين وذوي المصالـح الخارجيـة وعشـاق التبعية والتسـلط والفسـاد".

 

البحث عـن الشـرعية السياسية

تقاطعت قضية الشرعية مع الخلافات القائمة بالمنطقة حول الانتخابات فالنظام السوري استخدم الانتخابات كآلية للتأكيـد على شرعيته في مواجهـة القوى المعارضة له، علاوة على التكريس لحضوره في المعادلة السياسية وتوجيه رسالة لحلفائه الخارجيين، روسيا وإيران، بأنه لا يزل الرقم الأهم في الدولة ، وهو ما يعني عدم إمكانية استبعاده من المشهد .

التخوف مـن فقـدان النفوذ

ترتبـط إثـارة الخلافـات حـول الانتخابـات، فـي جانـب كبيـر منهـا، بتخـوف بعـض الفاعلين مـن فقـدان نفوذهـم لصالـح قـوى آخـرى. ولعـل هـذا يفسـر، ولـو بشـكل جزئـي، أسـباب رفـض جماعـة الإخـوان فـي ليبيـا لقانـون الانتخابـات الرئاسـية، فغالبيـة قيـادات الجماعـة أعلنـت رفضهـا للقانـون، ومنهـم علـى سـبيل المثـال، عبـد الـرزاق العـرادي، الـذي هاجـم القانـون فـي سلسـلة مـن التغريـدات علـى موقـع "تويتـر" فـي 17 أغسـطس الفائـت. 

وقال فـي تغريدة: "بـكل بسـاطة.. علـى أى سـند مـن الإعـلان الدسـتوري أصـدر مجلـس النـواب قانـون انتخـاب الرئيـس؟"، وأضـاف فـي تغريـدة أخـرى: "وإن كان قانـون انتخـاب الرئيـس اسـتند علـى تعديـل دسـتوري صـدر فـي الفترة مـا بين 4 أغسـطس 2014 و17 ديسـمبر 2015 فهـو والعـدم سـواء، لأن مجلـس النـواب منعـدم بأحـكام المحكمـة العليـا وهـو عبـارة عـن سـلطة أمـر واقـع مثلـه مثـل المؤتمـر الوطنـي العـام ولا وجـود دسـتوري لهمـا". ومـن دون شـك، لا يمكـن إغفـال أن هـذا الموقـف ناتـج عـن التخـوف مـن تأثيـر قانـون الانتخابـات علـى الفـرص السياسـية المتاحـة للجماعـة.

 

الحفـاظ علـى التوازنـات الطائفية 

وهو المتغيـر الحاضـر فـي الجـدل الدائـر فـي لبنـان حـول المقتـرح المقـدم مـن قبـل كتلـة "التنميـة والحريـة" بشـأن اعتمـاد نظـام التمثيل النسـبي خارج القيـد الطائفي لانتخاب أعضـاء مجلس النواب. إذ اكتسـب الجـدل حـول المقتـرح بعـداً طائفيـاً واضحـاً، ففيمـا يدعـم الثنائـي الشـيعي- "حـزب الله" و"حركـة أمـل"- المقتـرح، أعلنـت القـوى المسـيحية الرئيسـية، وعلـى وجـه التحديد "التيـار الوطني الحـر" و"القوات اللبنانيـة"، رفضها للمقترح، وتبـرر القوى المسـيحية هـذا الرفـض بـأن التوقيـت غيـر مناسـب لهـذا الطـرح، لاسـيما أن هنـاك مشـكلات عديـدة، اقتصاديـة وسياسـية، يواجهها لبنـان ويجـب أن تكـون لهـا الأولويـة فـي الوقـت الراهن .

واعتبرت القـوى الرافضـة للمقتـرح أن تغييـر النظـام الطائفي لا يمكـن التوصـل إليـه عبـر هـذا المسـار، حتـى أن وسـائل الإعـلام اللبنانيـة تناقلـت، فـي أول سـبتمبر الجـاري، تصريحـات آلان عـون عضـو تكتـل "لبنـان القـوي"، المعبـر بصـورة رئيسـية عـن "التيـار الوطنـي الحـر" فـي المجلـس النيابـي، والتـي أكـد خلالهـا أن "إلغـاء الطائفيـة وفقـاً لمقتـرح كتلـة التنمية والحريـة لا يمكـن طرحـه إلا بعـد وضـع خطـة مرحليـة تـؤدي الـى خطـوات عديـدة توصـل الـى هذا الهـدف. لا نسـتطيع أن نتعاطـى مـع الدولـة المدنيـة بجزئيـة، نختـار منهـا فقـط قانـون الانتخابـات ونعدلـه ونتـرك كل الباقـي فـي الدولة من ممارسـة ومـن محاصصـة ومـن أداء طائفـي بامتيـاز".

احتواء العزلة الإقليمية والدولية

تكتسـب الانتخابـات أهميتهـا بالنسـبة للنظام السـوري مـن كونها متزامنة مـع تراجع العزلـة الإقليمية التـي كانـت مفروضـة علـى النظـام منـذ انـدلاع الصـراع السـوري عـام 2011، فضـلاً عـن تغيـر بعـض المواقـف الدوليـة، حيـث تبنـت بعـض القوى الغربيـة سياسـة أكثـر مرونـة تجـاه بقـاء النظام ، فعلى سـبيل المثـال، ذكـر الرئيـس الفرنسـي إيمانويـل ماكـرون فـي أكثـر مـن مناسـبة أن "رحيـل الأسـد لـم يعـد أولويـة بالنسـبة لفرنسـا"، كمـا أشـار المبعـوث الأمريكـي السـابق إلـى سـوريا جيمـس جيفـري، فـي 13 ديسـمبر 2020، إلـى أن " الولايات المتحدة تقبـل بوجود بشار الأسد إذا غير سياسته "، وأبدى قبول واشنطن التعامل مع النظام في سوريا فـي ظـل الوجود الروسي ، ولكن ليس في ظـل الوجود الإيراني .

إن ما سبق ووفق ما جاء في التحليل الاستراتيجي لمركز العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة في مجمله يوحي بـأن الانتخابات سوف تبقى محوراً مهماً في التفاعلات التي تجري داخل العديد مـن دول المنطقة، لاسيما في ظل اتساع نطاق التباينات بين القوى الرئيسية الموجودة على الساحة، وتأثرها، في بعض الاحيان، بالصراعات التي تتصاعد حدتها تدريجيا على الساحة الإقليمية .

ﺗﻔﻀﻴﻼﺕ اﻟﻘﺮاء