بأقلامهم
تركي الحمد يكتب: عندما يصفون الوطن بـ«الوثن»!!
ربما كانت " الصدفة " البيولوجية البحتة ، هي التي جعلتك تولد في رقعة من الأرض لا خيار لك فيها ، وتصبح مواطنا في هذه الدولة أو تلك ، فكنت سعودياً أو يابانياً أو روسياً أو هندياً ، أو غير ذلك ، فلماذا كل هذا " التغني "، وكل ذاك الحب لتلك الرقعة الجغرافية من الأرض ، التي نسميها " وطن " ؟ ، وقد يكون مثل هذا الكلام صحيحاً ، وهو صحيح بالإجمال ، ولكن " الوطن " ليس مجرد رقعة من الأرض ، بل هو حالة ذهنية ، ورابط وجداني ، يأتي بعد لحظة الميلاد ، بين الفرد " المواطن " ، وتلك الرقعة من الأرض ، بكل ما تحمله من بشر وشجر وحجر ، هو صورة ذهنية شاملة لحياة المرء ، ذكرياته ، أهله ، أصدقائه وأحبابه .
طموحاته وتطلعاته ، آماله وآلامه ،ضحكاته وبكائه ، رائحة الأرض ولون السماء ، وتفاصيل أخرى كثيرة تربط وجدانياً وذهنياً بين المرء وذاك المكان من الأرض ، يختزلها مفهوم " الوطن " ، وقد يكون الوطن مفهوم حقوقي لدى الحقوقيين وأرباب القانون ، ولكنه شيء أعمق من ذلك بكثير ، حين الحديث عن صور الذهن وروابط الوجدان ، لذلك ندرك تلك المشاعر التي جاشت في صدر ابن الدمينة الأكلبي وهو ينشد : " ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ، لقد زادني مسراك وجداً على وجد " ، أو رد ذاك الكاتب الروسي المنشق ، الذي فر إلى الغرب ، ثم عاد مختاراً إلى وطنه ، وعندما سئل لم عاد إلى روسيا رغم المخاطر ، أجاب : " لقد اشتقت إلى ثلوج موسكو " .
ولا أدري إلى متى هذه الحساسية المفرطة ، فنسمي أشياء بغير أسمائها ، مع أننا في النهاية لا نخدع إلا أنفسنا ونحن مدركون من ذلك ، تسميتنا لعيدنا الوطني باليوم الوطني ، تجنبا لاستخدام كلمة " عيد " ، فالعيد هو ما عاد وتكرر من المناسبات ، سواء كانت تلك المناسبات دينية أو وطنية أو قومية أو غير ذلك ، ويوم 23 سبتمبر ، هو عيد بكل المعاني ، نبتهج فيه بتأسيس وطن موحد ، نستلهم الذكرى ، ونتأمل الواقع ، ونصبو إلى المستقبل ، من يصفون الوطن بأنه " وثن " ، ولا يعترفون بمفهوم الوطن أساساً ، هم من نراعيهم ، ولا ادري لماذا وهم لا يشاركوننا أفراح الوطن ؟! ، نعم يوم الوطن هو عيد ، وحان وقت تسمية الأشياء بأسمائها .
وفي النهاية تبقي كلمة : أن العلاقات بين الدول مثل الرمال المتحركة متغيرة في كل حين ، حسب اتجاه الريح ، ولا يحكمها إلا مصلحة الدولة ، كما يحددها صانع القرار ، عدو الأمس قد يتحول إلى صديق اليوم ، والعكس صحيح ، أما " المبادئ " ، فهي لتبرير المصلحة فقط ، وأي قناع خارجي يحجب وجه المصلحة الحقيقية ، ودعك من فائض الكلام .