الفن
هل يهاجم مسلسل شراب التوت البري المسلمين أم العلمانيين ؟
مسلسل شراب التوت البري ..رغم أن المسلسل التركي "شراب التوت البري" بطولة سيلا ترك أوغلو بطلة مسلسل "الأمانة" و دوغوكان جونجور يحقق اعلى نسب المشاهدات في هذا الموسم و يتفوق في موسمه الثاني على كل المسلسلات الجديدة بالموسم التي لم تتجاوز نسب مشاهداتها أكثر من 5%، إلا أنه يشهد هجوماً كبيراً من المشاهدين و المتابعين في الوطن العربي و يثير جدلاً كبيراً في تركيا أيضاً.
حيث يعتبر المسلسل صراع دائر بين الطبقة المتدينة المحافظة و الطبقة العلمانية المتحررة، و لكن يرى الكثيرون أن المسلسل ليس منصفاً في عرضه للطرفين و أفكارهم، بل أن هناك تعمد واضح في اظهار الجانب المتدين كونه جانب متخلف ينجرف وراء عادات و تقاليد ليست متحضرة بالمرة، بل أنه حتى لا يعرف معنى هذه العادات و لكنه يحفظها عن ظهر قلب دون الحاجة لفهمها، لنجد أن السيدة بامبي و ابنتها نورسيما مثالاً لذلك في أكثر من موقف منهم موقف القرط الذي ترتديه نورسيما أثناء الوضوء و كذلك تحريم تناول فواكه البحر، و تحريم دخول الكنيسة رغم أن الدعاء يجوز من أي مكان، و الكثير و الكثير من العادات الغريبة التي يقتنعون أنها محرمة دون فهم حتى سبب هذا التحريم.
مسلسل شراب التوت البري :
إنما يظهر السيد عبد الله في صورة الانسان الملتزم و المتدين عن فهم و علم غزير و معرفة، كذلك عمر الذي يُظهر قدر غير محدود من التحضر و تقبل أفكار الآخر مع الحفاظ على صلاته و التزامه الكامل بكل فروض الدين الاسلامي دون تشدد أو تعصب، بل أنه يحاول دائماً أن يجد أرض واحدة لتلتقي عائلته مع عائلة دوغا عليها.
و هناك البعض الذي يرون أن المسلسل به تحيز واضح لطرف العلمانية، فحتى الآن لم يُظهر المسلسل أي عيوب للجانب العلماني و كأن كل ما يفعلونه صواب باستثناء بعض الأفكار المتطرفة التي ظهرت من كيفلجيم مثل عدم احترامها للحجاب و انزعاجها بالتزام عمر بالصلاة، و لكن المسلسل لا يسلط الضوء على المشكلات التي يسببها نمط حياتهم المتساهل في كل شيء، مثل احتساء الخمور بشراهة و السهر في الخارج حتى وقت متأخر من الليل.
مسلسل شراب التوت البري :
و لكن هذا ليس صحيح على الاطلاق فلا يمكننا ان نغفل أن المسلسل سلط الضوء على شيء مهم جداً و هو التساهل في العلاقات الغير شرعية و نتائج هذا الوضع الفادحة، فمثلاً نجد أن بسبب نمط حياة دوغا و تساهلها مع فاتح حتى أصبحت حاملاً منه، جعلها مضطرة للزواج منه، و مجبرة على العيش مع عائلة لا تفهمها، عائلة عادتها مختلفة تماماً، بينهما فجوة فكرية تجعل الالتقاء بينهم مستحيل، فجوة فكرية لا يمكن غلقها مما زاد المشكلات و فاقم الشعور ببرود الحب و المشاعر بين الزوجين حديثي الزواج، ما جعل الأمر يصل إلى خيانة الزوج فاتح لزوجته، و معايرة عائلته لها بارتكاب الخطيئة معه و اضطرارها لقبول كل الاهانات من أجل ابنتها.
مسلسل شراب التوت البري :
كذلك كانت نتيجة نزوة فاتح و سقوطه في علاقة غير شرعية هو هدم بيته و تدمير حياته الزوجية السعيدة، بعد أن كانت الزوجة دوغا بدأت تعتاد على نمط حياة عائلة زوجها و بدأت تتقبل عاداتهم و تفهمهم.
كذلك كان التحرر الزائد لشخصية اليف و نمط حياتها المستهتر و ملابسها المكشوفة طوال الوقت سبباً أساسياً في توتر العلاقة بينها و بين السيدة بامبي بسبب اعجاب السيد عبد الله بها، و عادةً ما يكون الانطباع الأول عنها أنها سيدة منحلة الخُلق كما حدث في موقف الفندق مع أحد عملائها الذي عرض عليها قضاء ليلة معه في الفندق لولا تدخل السيد عبد الله.
مسلسل شراب التوت البري :
كما أن المسلسل لا يهاجم أبداً المسلمين بقدر ما يهاجم العادات المتخلفة لدى الطرفين، كذلك هدف المسلسل واضح حتى الآن و هو يناقش بكل وضوح قضية قهر المرأة و حرمانها من أبسط حقوقها و تعرضها للاهانة و العنف النفسي و الجسدي من الرجال بمختلف أنواعهم، لنجد نموذج فاتح يستغل سلطته و أمواله و نفوذه ليمارس الضغط النفسي على دوغا لاجبارها على العودة و كأنها ليس من حقها ابداً الاعتراض على الخيانة، كذلك نجد نموذج كاهان والد دوغا الذي يستغل زوجته ليمان مادياً، و يبتز عواطفها و يستغل حرمانها من الحب ليحصل على أموالها، و ابراهيم الذي رأينا ممارسته للعنف الجسدي مع زوجته نورسيما.
كما أن المسلسل يبرهن على كون الحب ليس اساس الزواج، و ليس مهماً أبداً لنجاح زيجة ما، بل انه ليس حتى ضروري لبناء زواج سعيد، بل الاهم الاختيار الصحيح عن نضج تفكير و وعي كامل بكل ما يتعلق بالزواج و عن خبرات كثيرة، الأهم هو التوافق الفكري و الثقافي و التكافؤ الاجتماعي و التفاهم بين الطرفين و عائلاتهم كي ينجح هذا الزواج.
مسلسل شراب التوت البري :
يناقش المسلسل قضية الزواج في سن صغيرة و ما ينتج عنه من ازمات لا تنتهي، لنجد أن زيجة دعاء فشلت بسبب الاختيار دون وعي بعواقب هذا الاختلاف الفكري الواضح بينها و بين فاتح، كذلك فشلت زيجة كفليجيم التي تحدثوا عنها أكثر من مرة و التي كانت في سن صغيرة جداً أيضاً.
كل هذه هي رسائل المسلسل الحقيقية التي يحاول تقديمها و التي جعلته بالفعل من أفضل المسلسلات لهذا العام، بل أن حلقاته جميعها ساخنة و أحداثه شيقة و ممتعة، و وتيرة الأحداث متصاعدة بشكل دائم، بسبب الصراعات الفكرية و الطبقية الدائرة طوال الوقت بين شخصيات العمل.