بأقلامهم
أيمن رفعت المحجوب يكتب: بلاغ للمخابرات العامة.. لواء مزيف يستغل اسم الجهاز العريق بمطار هيثرو
استغلال اسم المخابرات جريمة وخيانة للوطن ، وما أرويه خلال السطور التالية ليس خيالاً بل قصة حقيقية ، ومنذ زمن ليس ببعيد ، ذهبت إلى لندن لإلقاء محاضرة فى إحدى الجامعات هناك ، و فى طريق العودة الى مصر ، صادفني فى مطار هيثرو ، وأنا فى طابور شحن الحقائب ، رجل يبدو عليه مظهر الاحترام والأناقة ، يرتدي بدلة ويضع شارة المخابرات العامة بالذهب فى عُروة البدلة ، وتقدم نحوي وقال : حضرتك نازل القاهرة معنا على طائرة مصر للطيران فى رحلة اليوم ان شاءالله ، فأجبت بكل احترام : نعم فىه حاجة ...!!! ، فقال : لا ابداً وعرفني بنفسه ، انا اللواء فلان الفلاني من المخابرات العامة المصرية ، فقلت : أهلاً وسهلاً تشرفنا..!!
ثم قال : أنا معاك على نفس الرحلة ، أنا ومجموعة من الجهاز ، كنا هنا فى دورة تدريبية ، فقلت : شيء عظيم ، كم أنا سعيد بمقابلة شخصيات وطنية مثلك ومثلهم ، أين باقي المجموعة ، فقال : فى الطريق ، ولكنني حضرت قبلهم لأرتب أمور السفر ، لأننا فى مهمة سرية ، وأنا قائد المجموعة ومقيم فى فندق أخر لأسباب أمنية كما تعلم ، والحقيقة قد نسيت جواز السفر و حافظة النقود فى الفندق ، وعليّ أن أعود بسرعة الى الفندق ، لكي استحضرهم ، حتى ألحق الطائرة معك و معهم ، فقلت وقد بدأت أفهم أن هناك شيء خطأ بالموضوع : هل من خدمة أقدمها لك يا أخي الكريم .
عملية نصب
فأجاب قبل أن أكمل الجملة : لو بس ممكن تسلفني مائة جنيه استرليني ، أركب تاكسي بسرعة أحضر اغراضي ، و أعود على الفور ، الفندق ليس بعيد عن المطار ، و سوف أردهم لك فى الطائرة ، احنا مع بعض على نفس الرحلة ، الحق وأصدقكم القول فقد تعاطفت مع الرجل لسنه الكبير ، و الوضع الذي هو فيه من إذلال و تمثيلية سخيفة لا تليق بمصر و اسم جهاز المخابرات ، ولكن فى نفسي أعلم أن القصة ، هي مجرد قصة يتلاعب بها على الناس كل يوم تقريباً ، و فى الأغلب تلك هي وظيفته فى لندن " النصب والاحتيال باسم واحد من أكثر الأجهزة المحترمة والحسّاسة فى مصر " .
فقررت أن أقوم بدور الممثل ، وهذا ليس بغريب عليّ ، فأنا أُدرّس فى الجامعة منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما ، و أستاذ الجامعة مثل ممثل المسرح الذى يؤدي كل يوم نفس المسرحية لجمهور مختلف ولسنوات طويلة ، و تقمصت دور الفنان محمود عبد العزيز فى مسلسل " رأفت الهجان " ، و الذي هو فى وجدان كل مصرى ، و قلت له : سيادة اللواء للأسف أنا لا أملك الا عشرين استرليني ، فقال : خلاص أخذهم ، فقلت : لا للأسف لا أقدر ، سوف أعطيك عشرة و أُبقي عشرة ، لكي اشتري لأولادي بعض الحلوى من السوق الحرة ، لأنهم أطفال صغار فى المدرسة ، و ينتظروا منّي هذا كل مرة أسافر فيها ، وأنت لا ترضى أن يزعلوا منّي....!!!
فقبل المبلغ على الفور وقال : سوف نلتقي على متن الطائرة وأرد لك المبلغ ، فقلت : أكيد إن شاءالله ، هذا شرف لى أن أخدم بلدى فى مهمة سرية وخطيرة مثل ما تقوم به حضرتك و مجموعة الوحوش التى تعتز بهم مصر ، الى اللقاء ، وبعد أن ختمت جواز السفر ودخلت السوق الحرة و هو يتابعني ، وتأكد أني لن أعود ، شاهدته من خلف الزجاج الفاصل بيننا ، و هو يعود ليدور حول مكتب مصر للطيران مرة أُخري ، و قلت فى نفسي ، هل سوف يقص نفس القصة على الفريسة القادمة ، أم سوف يجدد و يبدع فى قصة جديدة .
لواء مزيف
و حتي لا يتهمني البعض بسوء الظن بالناس ، فهذا اللواء المزيف لم أجده معي على الطائرة ، لا فى درجة رجال الاعمال ولا الدرجة الاقتصادية ، ولا حتى فى دورات المياه ، و بعد وصولى مصر وخروجي من منطقة الجوازات فى مطار القاهرة، و فى طريق الخروج الى السيارة ، مررت بالسوق الحرة و رأيت الحلوى ، و تذكرت أن أولادى قد تخرجوا فى الجامعة ، ولم يعد أحد منهم يطلب مني حلوى ، ولا أي شيء ، بل هم من يشترون لى كل شيء ، فضحكت ، فسألني أحد المرافقين ، على ماذا تضحك يا دكتور ايمن ؟ ، فقلت له : تذكرت أنّي لم أشتري حلوى لأطفالى ، فاستغربت ، لأنه يعرف أن أولادى قد تجاوزوا العشرون عاماً .
وفى النهاية .. أنا لم أحزن أبداً أنّي أعطيت هذا النصاب النقود ، بل ما أحزنني هو ذكر اسم المخابرات المصرية فى القصة ، فإن مصر أغلى من أن يتاجر أحداً باسمها ، و لو نحن فى أشد الحاجة الى المال ، متي سوف يستفيق البعض و يفهموا قيمة الجنسية المصرية التي نتشرف بها جميعاً ، فعلاً المضحكات مبكيات .