اهم الاخبار
الأحد 22 ديسمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

تحقيقات وحوارات

المعركة الكبري.. غسيل الأموال في البلدان العربية وتعاملات مصرفية مشبوهة

تفكيك شبكات ونفوذ النظم السياسية السابقة ومواجهـة التدخـلات الإقليميـة عبـر أذرع داخليـة تحديات ضخمة تواجه الحكومات

المعركة الكبري..
المعركة الكبري.. غسيل الأموال في البلدان العربية

تزايـدت المؤشـرات الدالـة علـى اهتمـام العديـد مـن الـدول العربيــة بمكافحــة جرائــم غســيل الأمــوال، فــي الفتــرة الماضيـة، عبـر إقـرار تشـريعات وطنية جديدة واسـتحداث آليـات مؤسسـية (مثـل تدشـين اللجـان الوطنيـة واللجـان العليـا للإشـراف علـى الاسـتراتيجية الوطنيـة لمواجهـة غســيل الأمــوال وتمويــل الإرهــاب) وإنشــاء محاكــم متخصصـة، وهـو مـا يأتـي فـي سـياق تطويـر المنظومـة القانونيـة الوطنيـة لمكافحـة هـذه النوعيـة مـن الجرائـم جاء ذلك في تحليل استراتيجي صادر عن مركز العالم العربي للابحاث والدراسات المتقدمة .

المعركة الكبري.. غسيل الأموال في البلدان العربية وتعاملات مصرفية مشبوهة

وجاء في التحليل الاستراتيجي الي ان الـدول العربيـة تهدف مـن وراء ذلـك إلـى الحفـاظ علـى صلابة الاقتصاديــات الوطنيــة، والحــد مــن تمويــل العمليــات الإرهابية، وتصفية نفوذ شـبكات النظم السياسـية السابقة، وتحســين وتيــرة البــت فــي الملفــات المتعلقــة بغســيل الأمـوال، والاسـتفادة مـن تجـارب عربيـة في تدعيـم البنية المؤسســية، ومواجهــة التدخــلات الإقليميــة عبــر أذرع داخليـة، وتلبيـة متطلبـات الالتزام الفني بالمعاييـر الدولية ، ومـع تغذيـة جرائـم غسـيل الأمـوال مـن مصـادر متعـددة في الـدول العربيـة، تعـددت العوامل المفسـرة لتزايد اهتمـام الحكومـات والبرلمانـات العربيـة بمكافحـة جرائـم غسـيل الأمـوال ، وذلك على النحـو التالي:

 تحصين الاقتصاد والحفـاظ علـى صلابـته

يتمثـل أحـد التفسـيرات الرئيسـية للتصـدي لجرائـم غسـيل الأمـوال فـي منـع تدفـق النقـد الأجنبـي إلـى خـارج البـلاد ، والتأثيـر علـى المركـز الاقتصـادي للبـلاد فـي الخـارج ومـن أبـرز الإجـراءات التـي اتخذتهـا بعـض الـدول العربيـة، مؤخـراً، للتصـدي لجرائـم غسـيل الأمـوال، إنشـاء محاكـم متخصصـة كالتـي أنشـأتها محكمـة دبـى فـي 22 أغسـطس الحالـي، فـي كل مـن المحكمـة الجزائيـة الابتدائيـة ومحكمـة الاسـتئناف، وهـو مـا سـبقها إصـدار مجلـس الـوزراء الإماراتـي فـي ديسـمبر 2020، قـراراً بإنشـاء المكتـب التنفيـذي لمواجهـة غسـيل الأمـوال وتمويـل الإرهـاب، بحيـث يتولى المجلـس مواجهـة تلـك الجرائـم بالتنسـيق مع كيانـات مناظرة إقليميـة ودولية، لاسـيما أن الإمارات تعـد واحدة مـن أكبـر مراكـز المعـادن النفيسـة فـي العالم، مما يتطلـب مراقبة التعامـلات المصرفية "المشـبوهة" ومنصة إلكترونيـة موحـدة للجمـارك وبلـورة برنامـج لتقييـد حركـة الأمـوال وتلـك المعـادن قبـل وبعـد وصولهـا.

تجفيف المنابع والحـد مـن التمويـل

تهـدف محـاولات تطويـر البنيـة التشـريعية لمكافحـة جرائم غسـل الأمـوال إلـى تجفيـف منابـع تلـك الجرائـم ومنـع حدوثهـا في معظـم الـدول العربيـة، وإن كانت هنـاك تعقيدات فـي حـالات عربيـة عديـدة. إذ يشـير اتجـاه فـي الأدبيـات إلـى أن بـؤر الصراعـات المسـلحة فـي بعـض الـدول العربيـة فرضـت علـى الـدول المجـاورة لهـا تحديـات عـدة مـن أبرزهـا ضـرورة اتخـاذ إجـراءات اسـتثنائية لمكافحـة جرائـم ماليـة تتعلق بغسـيل الأمـوال وتمويل الإرهاب على المسـتويين المحلـي والخارجي ( الإقليمـي والدولـي ) لاسـيما فـي حـال وجـود تشـابك عائلـي بمـا يتيـح تحويـل الأمـوال بطـرق متعـددة ولعل ذلـك ينطبـق جليـاً علـى الأردن القريـب مـن بؤرتـي سـوريا والعـراق، فـي ظـل جماعـات مصلحيـة تمـارس الإتجـار بالمخـدرات والأسـلحة وغسـيل الأمـوال وتمويـل الإرهـاب.

لـذا، أقـر مجلـس النـواب الأردنـي، فـي 23 أغسـطس الحالـي، مشـروع قانـون مكافحـة غسـيل الأمـوال وتمويـل الإرهـاب، وهـدف المشـروع إلـى توسـيع نطـاق الفئـات المشـمولة بأحـكام القانـون وتحديـد الجهـات الرقابيـة والإشـرافية والجهـات المختصـة فيـه، وتوسـيع صلاحيـات اللجنـة الوطنيـة لمكافحـة غسـيل الأموال وتمويـل الإرهـاب، وتحديـد مهـام وحـدة المعلومـات الماليـة وصلاحياتهـا ، كمـا يمنـح القانـون المدعـي العـام المختـص صاحيـة حجـز الوسـائط والأدوات المسـتخدمة أو المنوي اسـتخدامها في جرائم غسـيل الأمـوال أو الجرائـم الأصليـة المرتبطـة بهـا أو جرائـم تمويـل الإرهـاب وإلـزام جميـع الجهـات المختصة بتزويـد المدعي العـام بمـا يطلبـه مـن سـجلات ومعلومـات وبيانـات خـلال المـدة التـي يحددهـا لذلـك ، وقـد تـم إقـراره بعـد مشـاورات موسـعة مـع مسـئولين داخـل الدولـة ومـدراء حالييـن وسـابقين للبنـك المركـزي .

المعركة الكبري.. غسيل الأموال في البلدان العربية وتعاملات مصرفية مشبوهة


تفكيك الشبكات وتصفيـة النفـوذ

وهـو مـا ينطبـق علـى مـا تقـوم بـه لجنـة تفكيـك نظـام يونيـو 1989 وإزالـة التمكيـن فـي الحكـم الانتقالـي بالسـودان لتصفيـة نفـوذ النظـام السـابق برئاسـة عمـر البشـير، علـى المسـتويين السياسـي والاقتصـادي، حيـث أعلنـت، فـي 23 أغسـطس الحالـي، عن وضـع يدها علـى عـدد مـن الحسـابات المصرفيـة التـي تتـداول مبالـغ ماليـة ضخمـة للجنيـه السـوداني (يعـادل الـدولار 450 جنيهـاً سـودانياً)، والتـي تشـير بعـض التقديـرات إلـى أنهـا تصـل إلـى 64 مليـار و305 ملايين جنيـه، خلال فتـرة زمنيـة قصيـرة، وتعـود إلـى شـباب وربـات منـازل، مـن دون نشـاط اقتصـادي واضـح، وتعمـل فـي السمسـرة وتجـارة العمـلات بالأسـواق الموازيـة وغسـيل الأمـوال وتهريـب النقـد الأجنبـي إلـى الخـارج ممـا يضعـف الاقتصـاد ويعرقـل الانتقـال السياسـي ، وتجـدر الإشـارة إلـى أن معظـم الحسـابات المشـبوهة لرمـوز النظـام السـابق وأبنائهـم وأقاربهـم، ممـا يسـتوجب تقديمهـم للمحاكمـة واسـترداد الأمـوال والعقـارات والشـركات التابعـة لهـم.

توسيع المحاكم وتحسـين وتيـرة البـت


صـادق مجلـس الحكومة المغربيـة، في 23 أغسـطس الجـاري، علـى مشـروع مرسـوم قدمـه وزيـر العـدل محمـد بـن عبدالقـادر، يتعلـق بتحديـد دوائـر نفـوذ المحاكـم المختصـة فـي جرائـم غسـيل الأمـوال فـي إطـار مقتضيـات المـادة "38" مـن القانـون، بحيـث تنـص هـذه المـادة علـى تعميـم الاختصـاص القضائـي فـي جرائم غسـيل الأمـوال على محاكـم الـدار البيضاء وفـاس ومراكـش، إلـى جانـب محكمـة الربـاط ، ويهـدف ذلـك إلـى تخفيـف الضغـط على محكمـة الربـاط ، كما يهـدف هـذا المرسـوم إلـى تحقيـق النجاعـة القضائيـة فـي معالجـة القضايـا المتعلقـة بغسـيل الأمـوال، وتقويـة آليـات البحـث والتحـري فـي هـذا النـوع مـن الجرائـم عبـر اسـتحداث أربـع فـرق جهويـة للشـرطة القضائيـة متخصصـة فـي الجرائـم الماليـة والاقتصادية .

خبرات سابقة وتجـارب عربيـة


ولعـل ذلـك ينطبـق علـى حالـة السـودان فـي دراسـتها للتجربـة السـعودية فـي مواجهـة ظاهـرة تمويـل الإرهـاب فـي قطـاع الأوقاف، ومكافحة غسـيل الأمـوال، وذلـك عبـر ورش عمـل وجلسـات متبادلـة، فـي يوليـو الماضـي، بمشـاركة ممثليـن عـن وزارتـى العـدل والأوقـاف، وسـوف يسـاعد ذلـك الخرطـوم فـي تجـاوز المرحلـة الانتقاليـة وخاصـة في ظـل محاولات رمـوز النظـام السـابق عرقلـة السـير فـي اتجـاه الاسـتقرار .

 تجاوز العقوبات والتدخـلات الإقليميـة

وتعـد القضيـة التـي تورطـت فيهـا بنوك إيرانيـة- ومنها المصـرف المركـزي الإيرانـي- وبنـك المسـتقبل فـي البحرين، وتم الكشـف عنها فـي 5 نوفمبـر 2020، أبرز مثـال علـى ذلـك، حيـث اتخـذت المنامـة إجـراءات مـن شـأنها التدقيـق فـي التحويـات التـي تتم عبـر جهازها المصرفـي لكيانـات إيرانيـة متهمـة بتمويـل الإرهـاب مـن ناحيـة والتحايل على نظـام العقوبـات الأمريكية من ناحيـة أخـرى ، ولعـل ذلـك حـدث خلال فتـرة تولـي الرئيـس الأمريكـي السـابق دونالـد ترامـب، حيـث طبقـت الإدارة الأمريكيـة سياسـة " الضغـوط القصوى " علـى طهران .

 الملاءمة العالمية والمعاييـر الدوليـة

يعتبـر الاهتمـام العربـي المتصاعـد بقانـون مكافحـة غسـيل الأمـوال مرهونـاً بالالتزامـات والاتفاقيـات الدوليـة لهـذه الدولـة العربيـة أو تلـك ، وفـي هـذا السـياق، نصـت التعديـات الجديـدة المتعلقـة بمكافحـة غسـيل الأمـوال فـي المملكـة المغربيـة علـى اسـتحداث آليـة قانونيـة وطنيـة لتنفيـذ قـرارات مجلـس الأمـن، ذات الصلـة بالإرهـاب وتمويلـه وانتشـار التسـلح، يعهـد إليهـا تطبيـق العقوبـات الماليـة مـن خلال تجميـد ممتلـكات الأشـخاص الذاتييـن أو الاعتبارييـن، الـواردة أسـماؤهم باللوائـح الملحقـة بالقـرارات الصـادرة عـن مجلـس الأمـن ، ويعود ذلـك إلـى أن مجموعة العمل المالـي الدولية FATFوضعـت المغـرب تحـت المراقبـة، فـي 26 فبرايـر الماضـي، لتقصيرهـا فـي مجـال مكافحـة غسـيل الأمـوال وتمويـل الإرهـاب .

المعركة الكبري.. غسيل الأموال في البلدان العربية وتعاملات مصرفية مشبوهة

كمـا اسـتعرض اجتمـاع اللجنـة الوطنيـة لمكافحـة غسـيل الأمـوال وتمويـل الإرهـاب فـي السـودان، فـي 24 أغسـطس الحالـي، المعاييـر الدوليـة الخاصـة بالمكافحـة التـي يتوجـب على بنك السـودان المركزي اسـتيفائها وعلـى رأسـها عمليـات الرقابـة والتفتيـش وفـرض الجـزاءات الإدارية على المؤسسـات المالية غيـر الملتزمة بالضوابـط الخاصـة بالمكافحـة ، وكذلـك الحـال بالنسـبة لجهـود العـراق للخـروج مـن لائحـة الـدول الأوروبية للـدول عاليـة المخاطـر فـي جرائم غسـيل الأمـوال .

المعارك الكبرى

خلاصة القـول، إن المرحلـة المقبلـة سـوف تشـهد تزايـداً فـي الاهتمـام بمكافحـة جرائـم غسـيل الأمـوال فـي البـلاد العربيـة، لاسـيما فـي ظـل ارتبـاط تلـك الجرائـم بخطر يتهـدد دول الإقليـم والعالـم وهو الإرهـاب العابر للحـدود، كمـا أن لغسـيل الأمـوال تأثيـرات سـلبية علـى اقتصاديـات الـدول، حيـث تـم اسـتخدام طـرق ملتويـة لتبييـض مصـادر تلـك الأمـوال "القـذرة"، القادمـة مـن الإتجـار فـي المخـدرات والأسـلحة والبشـر وغيرهـا، وتحويلهـا عبـر القنـوات التجاريـة والمؤسسـات الماليـة إلـى أمـوال نظيفـة، مـن خـلال إخفاء مصدرهـا ، وتلك هـى المعركـة الكبـرى التـي يتعيـن علـى الـدول العربيـة كسـبها مثلمـا هـى المعركـة فـي مواجهـة الإرهـاب وكورونـا، عبـر قوانيـن وأنظمـة وإجـراءات واضحـة وصارمـة.