بأقلامهم
زينب الباز تكتب: علا غبور.. صانعة الأمل
«نحن أغنياء فقط بما نقدمه؛ فعلينا أن نقدم للآخرين فالغنى يكون بالعطاء»، هذا ما أمنت به علا لطفي زكي الشهيرة بعلا غبور، والتي فتحت أبواب الأمل لقطاع كبير من المصريين، بأنه بات من الممكن علاج أطفالهم من المرض اللعين، الذي ينهش أجسادهم الضعيفة بدون رحمة أو هوادة فكانت صاحبة فكرة إنشاء مستشفي ٥٧٣٥٧ لعلاج سرطان الأطفال، الأكبر في الشرق الأوسط، وغيرها من الأعمال التي صنعت البسمة على شفاة تحترق من الحزن.
تعتبر علا غبور سيدة ظل لأنها فتحت بمستشفي 57357 الباب أمام مستشفيات كثيرة أنشئت بالتبرعات والتمويل الأهلي، منها مستشفي مجدي يعقوب و٥٠٠٥٠٠ وأهل مصر وبهية والناس.
المفارقة الغريبة أن علا غبور، وهبت حياتها لخدمة مرضى الأورام، وكانت رائدة من رواد العمل الخيرى، ورمزاً من رموزه، لكنها لم تنجو من طعناته الغادرة إذ اكتشفت إصابتها بسرطان الرئة في مرحلة متأخرة بات يصعب معها العلاج.
ولدت علا غبور فى 29 يناير 1960، ووالدها المهندس لطفى ذكى وهبة، وكيل وزارة المواصلات، وتزوجت فى 20 يناير 1979 من الدكتور رؤوف غبور، رئيس مجموعة شركات غبور والعضو المنتدب فى مصر ورئيس مجلس إدارة شركة جي بي غبور أوتو التى تأسست سنة 1985، وأبنائها كمال ودينا ونادر .
تعتبر علا غبور إحدى رائدات العمل الخيري، إذ أسست جمعية أصدقاء أطفال السرطان بالسيدة زينب، والأمين العام لمؤسسة مستشفى سرطان الأطفال ٥٧٣٥٧، وواحدة من النساء اللاتي قام هذا المستشفى العظيم بفضل جهودهم وسعيهم.
اهتمت «غبور» بالعمل الخيري وخدمة مرضى الأورام منذ التسعينات ولم تقم به بمفردها، حيث كانت تؤمن بأن العمل الجماعي هو الأفضل والأكثر بقاء، وساهمت فى مساعدة مرضى السرطان فى المعهد القومى للأورام حتى أصبحت من أبرز الشركاء.
أسست جمعية أصدقاء معهد الأورام 1998 التي تولت انشاء مستشفى 57357، أكبر مستشفى لسرطان الأطفال فى الشرق الأوسط و«جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان حاليا»، لتوفير العلاج الكامل لمرضى السرطان ولم تكتفي المؤسسة بالعلاج فقط بل عملت علي المزيد من البحث العلمي وتطوير امكانيات وتقنيات العلاج داخل المعهد الي جانب نشر الوعي المستمر للوقاية من المرض، فبفضلها نشر أول برنامج تعليم صحي «الصحة في الصورة».
كانت عضوا فى مجلس إدارة شبكة مصر السرطان 57357 التي أنشئت مؤخرا بالولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها منظمة غير ربحية تخصم تبرعاتها من الضرائب وشاركت، من خلال عضويتها بهذه المنظمة فى توفير الموارد للمستشفيات المصرية والمنظمات غير الحكومية التي تركز على مرض السرطان.
وكانت علا غبور، هي المحرك الرئيسي وراء إنشاء مستشفى سرطان الأطفال، وتبنت الفكرة من بدايتها ودفعت أول مليون جنيه لعمل دراسة جدوى عن المستشفى لمكتب دراسات أمريكي، وكان رقم ٥٧٣٥٧ الذي أطلق على المستشفى هو رقم الحساب البنكي الذي كان مخصصا للتبرعات، بسبب زيادة عدد المرضي وخاصة من الأطفال وعدم قدرة معهد الأورام علي استيعابهم.
طرقت علا غبور كل الأبواب من أجل الوصول إلى حلم أن تصبح مصر بلا مريض سرطان والحفاظ على بسمة الأطفال في مواجهة توحش المرض فأخذت تتولي جمع التبرعات وحملات تطوير تقنيات البحث العلمي وسبل العلاج ورغم كونها زوجة لرجل أعمال شهير، إلا أن طلباتها لرجال الأعمال بمد يد العون قوبلت بالرفض الشديد، والجفاء في معظم الأحيان، حتى قررت أن يكون مشروعها الخاص، كما كان حلمها الخاص، ليخرج الحلم للنور، يوم 7 يوليو 2007، مجسدا عزيمة سيدة صنعت المستشفى الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، فكان ذلك بمثابة حلم لم تتخيل أن يصبح بهذا القدر فلم يلبث إلا أن تم افتتاح مستشفي 57357 لعلاج سرطان الأطفال في يوليو 2007م وإحتلت مكانة عالمية في العلاج والبحث.
كانت «علا» أول متبرع لهذه المستشفى، رغم كونها مؤسستها، لتضرب مثالا للعطاء أمام الجميع، حيث تبرعت بعشرة ملايين جنيه لبدء أعمال البناء، وتولت منصب أمين عام مؤسسة مستشفي سرطان الأطفال ونائب رئيس مجلس إدارتها، فور افتتاحها.
إنسانية وجهود علا غبور لم تتوقف عن التمويل ومحاولة جمع التبرعات بل كانت تساند الأطفال المرضي حيث قيل إنها كانت تحتضن صغار المحاربين عند خروجهما من غرف العمليات فتأخذ بأذرهم وتشجعهم وتقويهم لمقاومة المرض لمدة ما يقرب من عشرين عاما.
لم تقتصر جهود الراحلة علا غبور، علي انشاء مستشفي سرطان الاطفال فقط وانما ساهمت في مستشفي الدكتور مجدي يعقوب ايضا في اسوان، ومؤسسة سرطان الثدي بمصر فكانت أحد أعضاءها، وجمعية أصدقاء أطفال السرطان بالسيدة زينب التي تولت تأسيسها بنفسها ومستشفى أبو الريش للاطفال كما اهتمت بمساعدة الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة غيرها من الأعمال الخيرية التي شاركت فيها، ونالت العديد من التكريمات الدولية والمحلية، وتم ادراج إسمها في قائمة الشرف الوطني المصري باب «الرواد والمتميزين».
تعتبر علا غبور صاحبة الفضل فى إدخال تخصص دقيق لجراحات العظام فى مصر يسمح لعلاج مرضى الأورام دون بتر للاطراف، فقد كان جميع الأطفال الذين يصابون بسرطان العظام فى مصر حتى 1983 كانوا يموتون او يتم بتر اطرافهم، لذالك ارسلت مجموعة من الأطباء للتدريب فى الخارج وعند عودتهم نجحوا ان يصلوا بنسبة الشفاء حتى 65%.
نالت غبور في حياتها وبعد وفاتها عدة تكريمات دولية، منها جائزة الغرفة الأمريكية كأفضل امرأة في القطاع غير الهادف للربح على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لدورها في الأعمال الخيرية وفي إنشاء مستشفى سرطان الأطفال إلى جانب حصولها على جائزة جمعية الصحة العالمية.
كما حصلت على جائزة تكريم كرائدة من رواد العمل الخيري من مؤسسة الأيتام القبطية في مدينة نيويورك، فضلا عن حصولها بعد وفاتها على جائزة المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي التي تحمل اسمها (جائزة الثقافة والعلوم والخدمات الإنسانية "علا غبور")، وقدمت لروحها عام 2013.
تم ادراج إسمها في قائمة الشرف الوطني المصري باب الرواد والمتميزين في 27 يونيو 2015 وخصص المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى جائزة تحمل اسمها أطلق عليها "جائزة الثقافة والعلوم والخدمات الانسانية علا غبور تكريما لمسيرتها المليئة بالبذل والعطاء.
علا لطفى ذكى، الشهيرة بعلا عبور، زوجة رؤوف غبور صاحب شركة غبور للسيارات بمصر، هي سيدة مصرية اصيلة نادرة الأخلاق والإنسانية والمشاعر، لم تبحث عن أي مناصب ولم تطمع في جاه أو شهرة أو سلطة ولم يعرفها أحد، حيث اهتمت بالاعمال الخيرية فقط وأثرت الكثير والكثير فيها.
ولم يرحم السرطان علا غبور بل وقف لها بالمرصاد، لتصاب بسرطان في الرئة ولا يتم اكتشاف المرض إلا في مراحله الأخيرة، وسافرت لتلقي العلاج بالخارج ولكن السرطان تمكن منها ووارت الثرى بعد 4 أشهر فقط في 13 يناير 2013م لتفتح الكاتدرائية المرقسية أبوابها لإستقبال الجثمان، لتبقى ذكراها ملهمة للحب والعطاء للأخرين ويضرب مثلا رائعا للتفانى والعمل الخيرى الإنسانى، بعد أن حفرت إسمها بحروف من نور في التاريخ الإنساني.
وبعد وفاتها قرر زوجها رجل الأعمال رؤوف غبور، التبرع لمستشفى 57357 بـ 20 مليون أخرى اكراما لها ووفاءا لذكراها.
المؤسف أنه بعد وفاة علا غبور، حاول البعض السطو على حلمها الذي سخرت له حياته ونسب فكرة مستشفى 57357 لنفسه دون أن يحرك أحدا ساكنا لرد الحقوق إلى أصحابها، سلاما إلى روحها، فقد كانت بحق صانعة البسمة والأمل.