اهم الاخبار
الجمعة 22 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

بأقلامهم

زينب الباز تكتب: هيلانا سيداروس.. أول طبيبة مصرية وعربية

الكاتبة الصحفية زينب
الكاتبة الصحفية زينب الباز

خاضت تحديات متعددة الوجوه سواء في التحصيل العلمى والعمل الاجتماعى والنشاط الوطنى، فهي من الرائدات الشابات اللاتي تعلمن وعملن في الثلث الأول من القرن العشرين حين كان عمل المرأة بعد انجازا في مصر، فما بالك لو أصبحت أول طبيبة ليس في مصر فقط بل في العالم العربي والشرق الأوسط إذ حصلت على شهادتها من مدرسة لندن للطب التابعة للكلية الملكية البريطانية فى عام 1929 وكان عمرها آنذاك 25 عاما، في انجاز لم يسبقها إليه أحد فأول طبيبة جائت بعدها كانت التونسية توحيدة بالشيخ التي تخرجت من جامعة الطب بباريس عام 1936، إنها هيلانة سيداروس التي تعد عميدة طبيبات أمراض النساء والتوليد.


ولدت سيداروس، 13 يناير 1904 بمدينة طنطا، وكانت الطفلة الثانية من ستة أطفال، بسبب ضعف بنيتها لم تذهب الى المدرسة حتى سن الثامنة وحينذاك ذهبت إلى مدرسة البنات القبلية وكانت واحدة من أوائل مدارس البنات في مصر كان تعليم البنات يستمر حتى السنة الثالثة الابتدائية فقط ولم یکن يتقدمن الى الامتحانات العامة ولا حتى شهادة اتمام الدراسة الابتدائية، إذ كان تعليمهن أمر غير مستحب على الإطلاق.

زينب الباز تكتب: هيلانا سيداروس.. أول طبيبة مصرية وعربية


الشئ الوحيد الذي شفع لرائدة الطب في مصر هو ذكائها المفرط الذي جعل والدها يصمم على أن تكمل تعليمها إلى نهاية المطاف وبدون حدود، فسمح لها باستكمال دراستها في القسم الداخلي بمدرسة السينية وهي أيضا من أولس مدارس البنات في القاهرة، التحقت بعد ذلك بكلية اعداد المعلمات اذ أن هيئة التدريس كانت المهنة الوحيدة المتاحة للمرأة في ذلك الوقت، كانت مدة الدراسة أربع سنوات وكانت جميع التلميذات يقمن بالقسم الداخلي وكان التعليم بالمجان، کانت ناظرة المدرسة والمدرسات جميعهن من الانجليزيات باستثناء مدن مدرس اللغة العربية الذي كان شيخا معمما .
المفارقة الغريبة أن هيلانا حصلت على منحة للذهاب إلى انجلترا للتخصص في الرياضيات في نهاية السنة الثانية في كلية اعداد المعلمات، تقول رائدة الطب النسائي في مصر في مذكراتها أنها فرحت كثيرا بهذه الفرصة وأسرتها لم تمانع سفرها، لكن بعد فترة سمعت أن الدراسة ستقتصر على ما يساوی شهادة اتمام الدراسة الثانوية في مصر وأنها ستحصل على خطاب يحدد تخصصها، وجدت أن هذا أمر مهين فسارعت بالكتابة إلى الملحق الثقافي بالسفارة المصرية طالبة العودة إلى الوطن، وفي ظرف أسبوع جاء الملحق الثقافي الي المدرسة وطلب أن يقابلني فظننت أنه وافق على طلبي للذهاب إلى الوطن ولكن لم يكن هذا صحيحا اذ انه قدم لي خطة جديدة أن تدرس الطب وأخبرنى أن مصر تعكف على تدريب فريق من الطالبات المصريات في مجال الطب ليتولين إدارة مستشفى النساء والذى سيبنى من خلال جمعية كيتشز الإنجليزية بالقاهرة، وكانت خطتها أن تكون الطبيبات مصريات، فوافقت على الفور ودرست في كلية الطب الملكية بلندن مع 5 مصريات أخريات.

زينب الباز تكتب: هيلانا سيداروس.. أول طبيبة مصرية وعربية


تقول استمتعت بحياتي كطالبة طب وأحبت جميع المواد فيما عدا التشريح لدرجة أنى رسبت في مادة الجراحة للمرة الأولى لان معلوماتي في التشريح كانت ضحلة، الا أني اجتزت الامتحان مرة أخرى بعد 6 شهور.
نجحت سيداروس في التخرج من الكلية عام 1929، وأصبحت أول طبيبة مصرية وعربية وهي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، وعادت للقاهرة في عام 1930 لتعمل في مستشفى كيتشز. 

تصحيح صورة الوطن 


تقول رائدة الطب النسائي في مصر خلال حديث نادر وأخر ظهور تيلفزيوني لها في برنامج حكاوي القهاوي مع الإعلامية سامية الإتربي، أن الشعب الإنجليزى كان يجهل طبيعة الشعب المصري، لدرجة أنهم كانوا يتصورون أننا حفاة لا نرتدى الأحذية، حاولت وقتها أن أصحح صورة وطنى في عينهم وأكدت لهم أننا مصر تمتلك أدباء وشعراء والشعب يعيش نهضة ثقافية، وعند عودتي إلى مصر، لم تكن حياتي مفروشة بالورد يكفي أني عملت 4 في مستشفي كيتشنر كنائب بدون عمل بسبب طبيعة المجتمع وقتها فالمستشفى كانت ممنوعة عن المرضى الرجال، لكنى استفد من الأطباء العظام الذين عملت معهم وعلى رأسهم الدكتور نجيب باشا محفوظ، والدكتور سليمان باشا عدلي.
فى عام 1935 انتهت الفترة الإلزامية التي ينبغى أن تقضيها في المستشفى، فشجعها الدكتور عبد الله الكاتب على فتح عيادتها في باب اللوق بالقاهرة وفي نفس الوقت كانت تقوم بعمليات الجراحة والتوليد بالمستشفى القبطى بالقاهرة بطلب من الدكتور نجيب باشا محفوظ رائد علم أمراض النساء والتوليد بمصر، ومثل وفاةوالدها دافعا لها حتى توفر احتياجات عائلتها. 


وعن أطرف المواقف التي تعرضت لها كانت سيدة من صعيد مصر جائت تشكو من  المصران الأعور "الزائدة الدودية" ورفضت أن أكشف عليها ظنا منها إنى طبيب ونظرا لأن حالتها كانت حرجة أدخلتها غرفة العمليات وأنقذت حياتها وبعدها ذلك شكرتني وقالي لى أنت زي أخويا .

حلم بعيد
 

قالت هيلانا سيداروس أنها أیام أن كانت طفلة أكدت أنها ستصبح طبيبة وتعالج أمراض الناسی وکان من حولها يضحكون، لأن الحلم من قبيل الخيال الجامح البعيد عن التحقيق ولكنها أتمت مهتها وكانت الأولى في هذا المجال، وعالجت الكثير من الأمراض وولد على يدها الآلاف من الأطفال النجباء.
تعد الدكتورة هيلانا سيداروس أول أمراة تقود سيارة نظرا لطبيعة عملها فقد كانت تضطر للذهاب إلى المستشفي في منتصف الليل، حيث وهبت حياتها لمهنتها كطبيبة ولم تتوقف عن العمل حتى تجاوزت السبعين من عمرها، عندها قررت اعتزال الطب خوفا على حياة المرضى لتفادى أعراض الشيخوخة، وبالرغم ذلك لم يتوقف عطائها للمجتمع فقد انضمت إلى الجمعية الخيرية القبطية للعمل الاجتماعي وساهمت في إنشاء المستشفى القبطي بالقاهرة كأول مستشفى وطنية في مصر، في فترة عملها بالجمعية الخيرية القبطية اهتمت بترجمة العديد من الكتب للأطفال ومشاهير الرجال.


قالت هيلانا عن الأطفال أن طريقة تفكريهم تدهشها فأصبحوا يسبقون عصرهم في طريقة التفكير والألعاب عكس أطفال زمان على حد قولها، كما أبدت حزنها على حال شباب مصر لأن المادة باتت تتحكم في تفكيرهم.

زينب الباز تكتب: هيلانا سيداروس.. أول طبيبة مصرية وعربية


مسيرتها العلمية المشرفة لم تكن الجانب الوحيد المشرف فبحسب المصادر التاريخية أكد الموقع الرسمي لنقابة الأطباء، أنها شاركت الطبيبة المصرية هيلانا سيداروس وهي في عامها الـ15 في ثورة 1919، والمظاهرات التي قادتها بعض الفتيات والسيدات آنذاك، كانت تتردد على منزل الزعيم سعد زغلول والذي عُرف باسم«بيت الأمة»، وتشارك في اجتماعات الحركة النسائية بقيادة السيدة صفية زغلول، من أجل مناهضة الاحتلال الأجنبي ومقاطعة البضائع الإنجليزية، حتى انضمت إلى جمعية هدى شعراوي.
توفيت رائدة الطب النسائي في مصر صباح الخميس 15 أكتوبر 1998 عن عمر يناهز الـ 94، وسط تجاهل إعلامي يدعو للتسأول والإستغراب كيف لشخصية بعظمة إسهاماتها العلمية والإجتماعية تتعرض للنكران والنسيان وبدلا من تكون يتم الإحتفاء بها كرائدة تصبح من نساء الظل. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• العدد 39 مجلة ذاكرة مصر التى تصدر عن مكتبة الإسكندرية
• كتاب مصريات رائدات مبدعات 
• كتاب لمحات من رحلة المرأة المصرية، طارق علي حسن 

ﺗﻔﻀﻴﻼﺕ اﻟﻘﺮاء